سامر طفل جميل , يُحبّ الحيوانات , وخاصّة البيتية منها, وقد الحَّ على أبيه مراراً أن يشتري له واحداً منها .
وافقَ الأب أخيراً شريطة أن يحوز على المرتبة الأولى في صفّه!.
لم يجد سامر في ذالك مُشكلةً كبيرة , فهو طالبٌ نشيطٌ ومجتهد, ويُنافس رَهَف على المرتبة الاولى , منذ الصف الاول , فتارة كان يسبقها , وطوراً تسبقه .
وكم كانت فرحة سامر كبيرة في نهاية الفصل الثاني , حين حصل على المرتبة الاولى , وحين وفّى والده بوعده له , فاشترى له حَمَلاً وجَدْياً صغيريْنِ , وبنى لهما قفصاً صغيراً جميلاً وسط حديقة المنزل الواسعة .
أحبَّ سامر الحَمَلَ وهدوءَه محبةً كبيرة , كما وأحبَّ الجدْيَ الأسود ذا القرنيْنِ الصغيرين , رغم شقاوته , فكان يأتي بعد انتهائه من واجباته المدرسية , فيفتح باب القفص ويُخرج الجدي والحَمَل في جولة في الحديقة , حيث الربيع يملأ الأرجاء بعُشبه الأخضر وأزهاره المُلوّنة , وفراشاته المُزركشة , وطيوره المُزقزقة .
في أحد الأيام , حين أخرج سامر صديقيْه من القفص كعادته, لاحظَ جّرحا ًتحت إحدى عينيّ الحَمَل , فسأله عن السبب فقال :" لا شيء ...لقد اصطدمْتُ بحديد القفص!"
لاعب سامر صديقيْه , وأطعمهما العُشب الأخضر الطريّ, وسقاهما الماء النقيّ , وبالغ في مداعبة الحَمَل الذي كان هادئاً كالعادة , بينما راح الجدي الشّقي يقفز هنا وهناك , مُتباهياً بخفّته وقوّته , وينظر من طرف خفيّ نظرة حَسَدٍ , إلى العلاقة الحميمة التي تربط سامراً بالحمل.
وأعاد سامر الكرّة بعد أيام , وما اشدَّ دهشته حين رأى جرحاً آخر تحت العين الأخرى للحمل , في حين أنّ الجرح الأول لم يندمل بعد , فبادره على مسمع من الجدي قائلاً : "لا تقل يا صديقي أنّ هذا الجرح من القفص ايضاً!! "لكن الحمل في هذه المرّة ايضاً ابتسم ابتسامةً جميلة وأجاب : " نعم يا صديقي انه القفص ".
نظر سامر الى الجدي فرآه مُضطرباً على غير عادته , فداخلته الشكوك التي لم يعرف لها سبباً.
عاد سامر بصديقْيه الى القفص وكانت الشمس ما زالت تضيء الكون , فداوى صديقه الحمل باليود , وأوصاه كما أوصى الجدي أن ينتبها ويحذرا من القفص الحديدي .
لكن سامر لم يعد الى البيت , بل اختبأ خلف أغصان إحدى الاشجار القريبة , وأخذ يراقب الموقف .
ربض الحمل في إحدى اركان القفص , وربض الجدي في الركن البعيد , وساد صمت طويل طويل قطعه الجدي بعد دقائق قائلاً " لقد أخطأتُ اليكَ أكثر من مرّة يا صديقي , لقد كنتُ مُعتدياً أثيماً , بينما تجلّت فيكَ الاخلاق الحميدة , فكنت مثال الصبر والصداقة الحقّة ....انني أطلب منكً المسامحة والغُفران , وأعدكَ بأن اكونَ من الآن فصاعداً نِعْمَ الصّديق "
وبكى الصديقان وتعانقا عِناقاً حاراً طويلاً لم يقطعاهُ الاّ عندما دخل سامر القفص , وأخذ يُصفّق لهما تصفيقاً حاراً
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق